الأنشطة المندمجة هي جزء من الحياة المدرسية التي يعيشها المتعلمون جنبا إلى جنب مع مربييهم ومربياتهم ومعلميهم ومعلماتهم، فضلا عن المدبرين والمدبرات. فكيف تدرجت هذه الأنشطة من الهامش إلى الإلزام بمنظومة التربية والتكوين بالمغرب؟
– تعريف الأنشطة المندمجة:
لا يستقيم الحديث موضوع الأنشطة المندمجة دون الإحاطة بمفهومه والمصطلحات الدالة عليه. وأعتقد أن تقديما مفهوميا خاصا بمصطلح الأنشطة المندمجة في مستهل هذا المقال كفيلٌ بأن يكشف دلالتها في السياق المدرسي المغربي، ويجلي التعدد المصطلحي الذي يسود هذا المفهوم في الأوساط البيداغوجية.
فنسمع عن الأنشطة المندمجة والأنشطة الموازية والأنشطة التكميلية فضلا عن جملة من التوصيفات التعريفية التي تصفها بالفنية والإبداعية والمسرحية والثقافية والرياضية والداعمة وأنشطة التفتح وغيرها من التوصيفات التي تُتَرْجِم هذه الأنشطة على أرض الواقع في فضاءات المؤسسة التعليمية أو خارجها.
– مجالات الأنشطة المندمجة:
تحدد وثيقة “دليل عملي للأنشطة التربوية “الأنشطة المندمجة” الذي أعدته المديرية المكلفة بالحياة المدرسية 2018، مجالات هذه الأنشطة المندمجة ووزعتها بين أنشطة فردية وأخرى جماعية حسب طبيعتها وكيفية إنجازها والهدف منها.
– مجال الفكر والإبداع الفني: (شعر، صورة، فيديو، رسم، غناء، موسيقى، مقالة، قصة، حكاية…)
– مجال المشاريع العملية: (تزيين فضاء القسم والمؤسسة، البستنة، تنشيط فترة الاستراحة، التدوير أو إعادة التدوير (حملة الملابس، وصنع الهدايا للمناسبات… )
– مجال الرياضة:(سواء كانت رياضات فردية، رياضات جماعية). (ص.4).
أما دليل الحياة المدرسية في مبحث “الأنشطة المندمجة” (ص.37)، فيوسع من دائرة هذه الأنشطة إلى دائرة أوسع منها:
– أنشطة التوجيه التربوي وأنشطة الدعم: الاجتماعي والدعم التربوي والنفسي،
– أنشطة التفتح ومن ضمنها الأنشطة الثقافية والفنية والإعلامية والأنشطة الرياضية المدرسية وأنشطة التربية على حقوق الإنسان والمواطنة، وأنشطة الثقافة العلمية والتكنولوجية…
– إرساء الأنشطة المندمجة:
يشير عبد الرزاق المصباحي إلى أن لفظة «هامش»، في تعريف معجم علوم التربية للأنشطة الموازية “تشمل الأنشطة الفنية والرياضية والثقافية والاستطلاعية التي يقوم بها التلاميذ على هامش البرنامج الدراسي خارج المدرسة أو داخلها”، تحيل على النظرة التي تمثلها الفاعلون التربويون إلى كل ماله علاقة بالأنشطة المُمارَسة خارج تلك المحددة في المنهاج الدراسي؛ إذ جرى تصورها على أنها أنشطةٌ لتزجية الوقت والتسلية وتفريغ الضغط الذي يُسبّبه البرنامج الدراسي.
ويضيف المصباحي أن المُشرّع التربوي انتبه إلى قصور هذا التصور واقترح مفهوم الأنشطة المندمجة، بوصفه بديلا يشمل في طيّاته تمثلا جديدا ووظيفيا لتلك الأنشطة. ولهذا استعمل (دليل الحياة المدرسية، الصادر عن وزارة التربية الوطنية وتكوين الأطر والبحث العلمي في غشت 2008) «أنشطة تتكامل مع الأنشطة الفصلية بفضل مقاربة التدريس بالكفايات، تسعى إلى تحقيق أهداف المنهاج، وتعطي هامشا أكبرَ للمبادرات الفردية والجماعية التي تهتمّ أكثر بالواقع المحلي والجهوي”.
وفي الظرفية القريبة من دليل الحياة المدرسية 2008، وتحديدا 2009 سيحدث تحول هام في إرساء الأنشطة الفنية والثقافية والإبداعية في المنهاج الدراسي المغربي من الصيغة التكاملية مع الأنشطة الصفية ومن الدعوة إلى توسيع صيغة المبادرة الفردية والجماعية على صعيد أجرأة هذه الأنشطة. ومن السمة غير الرسمية وغير المؤسسة إلى الصيغة الرسمية والمؤسسة.
ومع البرنامج الاستعجالي تمت الأشارة إلى أن “المواد والأنشطة التي من شأنها العمل على تفتح حواس التلاميذ لا تُقدم في معظم الأحيان، (لا تقدم في العرض التربوي) ولكونها غير رسمية وغير مؤسسة فإنها نادرا ما تطبق، إما لانعدام المدرسين (عدم وجود)، أو لأنها ترتبط، في حال تدريسها، بالتطوع. ولهذا اقترح البرنامج الاستعجالي مبادئ موجهة. منها:
– تخصيص غلاف زمني لأنشطة التفتح.
– اعتماد تعميم تدريس مواد التفتح في الثانوي التأهيلي على تكوين المدرسين واللجوء إلى موارد أخرى من خارج المنظومة.
– تعميم التربية البدنية على صعيد المدارس الابتدائية.
– إلزامية الأنشطة المندمجة:
هذا التصور الذي نص عليه البرنامج الاستعجالي سيتطور، لأن المسألة ستأخذ بعدا آخر “قانونيا” وإلزاميا مع القانون الإطار 51.17 المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي. جاء في الباب الخامس المادة 28: “إلزامية إدماج الأنشطة الثقافية والرياضية والإبداعية في صلب المناهج التعليمية والبرامج البيداغوجية والتكوينية.” والنص للقانون الإطار.
وهنا يحق لنا أن نتساءل عن دلالة هذا الإدماج؟ وطبيعة هذا الإدماج؟ وآليات الإدماج؟ ومساحة هذا الإدماج؟ وأفق تنزيل هذا الإدماج؟ ومدى استعداد البيئة التربوية لهذه الإلزامية؟ وتقويم هذا الإدماج؟ وغيرها من الأسئلة العميقة التي تنتظر مقاربات في حجم طموح نص القانون الإطار.
– د. عبد الغاني العجان