كنتُ من الأفراد الذين ولوا وجوههم صوب قسم الأدب بالثانوية العامة، ربما لأنني كنتُ أميلُ إلى الشعر واللغة العربية، وربما لتوجسي من الحساب والرياضيات.. كل ذلك لازال يلمع في ذهني بعد كل تلك السنوات البعيدة التي لم نكن فيها نهتم كثيرا باتجاه الطلاب إلى الأدب أو الشعر أو الرياضيات أو الهندسة أو الطب.. كانت أمنيات جيلنا بأن يصبحوا شعراء وكتابا وأدباء مثلما كان يدور في خلدهم أن يصبحوا مهندسين وأطباء وتقنيين… والحق أنني كنت كلما قرأتُ كتابا أو مقالا لشاعر أو كاتب أو مبدع أخذت أفكر أن أكونه في المستقبل.
واليوم لم أعد أسمع إلا لِماما من الطلاب مَنْ في أحلامه وخيالاته أن يصبح أديبا أو كاتبا أو شاعرا.. ولسان حالهم يردد إننا في حروب اقتصادية وصحية ومالية وتقنية ولن ينفعنا الأدب والشعر ولا الرسم ولا الكتابة في صنع علبة دواء أو إدارة محرك، أو بناء ناطحة سحاب أو مد نفق تحت الماء…
فماذا يمكن أن يصنعه تخصص الأدب في حياتنا المهنية؟ وما رأيك في نظرة البعض إلى الآداب والعلوم الإنسانية بوصفها أقساما للفاشلين، في مقابل النظر إلى التخصصات العلمية والتقنية كالهندسة والطب، بكونها طريقا للتفوق والمستقبل المهني؟
- عبد الغاني العجان
لقد اصبح الاهتمام بالاداب والعلوم الإنسانية واتخادها مسارا دراسيا مدعاة لنعوت السلبية فالتلاميذ و الآباء حريصين كل الحرص على توجيه ابناءهم للشعب العلمية وذلك راجع لعدة أسباب أهمها
سوق الشغل والتحولات الاقتصادية الكبرى التي أصبحت تتطلب شغيلة متمكنة من علوم الآلة و البيانات و التكنولوجيا عموما فلاحاجة لها بالادباء والشعراء والمتخصصين في العلوم الإنسانية.
التحولات القيمية أيضا لها دافع كبير بحيث أصبح الأفراد يحققون ارباحا مالية ضخمة تحقق لهم حياة البذخ و الرفاهية في حين لا تقدم مهن العلوم الإنسانية إلا مزيد من البؤس و البقاء في أدنى سلم الترتيب الإجتماعي…..
سياق مادي اقتصادي ضاغط حقا، وتحول في الوعي القيمي لم يعد للآداب والفنون والإنسانيات فيه مكان الصدارة، إلا تعاطيا معها بوصفها ثقافة عامة نلجأ إليها في لحظات التسلية وتزجية الوقت أكثر من جعلها مجالا للاندماج في الحياة الاجتماعية والمهنية. لكن هل من فسحة لتغيير هذه النظرة القاسية لتخصص الأدب؟ وهل من بديل لرفع الضيم الذي يطاله؟ مع التحية والتقدير