إذا ما سمي السلوكيون الجدد (أو أصـحـاب النظرية الترابطية) بالرواد الأوائل لنظريات التعلم المعاصرة فلا بد أن يسمى الجشطلتيون بالرعـيـل الـثـانـي. وقـادة هـذه الـنـظـريـة الأربـعـة هـم مـاكـس فيرتهيمر، وولفجانج كوهلر، وكيرت كوفكا فيرتهيمر وكيرت ليفن. ومع انهم ولدوا جميعا في ألمانيا حيث نشأت النـظـريـة الجـشـطـلـتـيـة إلا انـهـم هاجروا إلى الولايات المتحدة وحملوا النظرية معهم.
ينظر الجشطلتيون إلى ظاهرة التعلم كظاهرة وثيـقـة الـصـلـة بـالإدراك رفون التعلم على انـه «إعـادة تـنـظـيـمـا الإدراك أو الـعـالـم ّ ومن ثم فهـمـ يـعــرفون التعلم على أنه “إعادة تنظيم الإدراك أو العالم السيكولوجي عند المتعلم السيكولوجي”. وهذا ما يسمونه مجال التـعـلـم (Learning Field) ونظرا لعدم توفر ترجمة دقيقة لكـلـمـة Gestalt الألمانية فلعل أقرب كلمـة لها في اللغة الإنجليزية هي كلمة configuration .
وفي منتصف العشرينات من هذا القرن أخذ الجشطـلـتـيـون يـجـمـعـون عددا كبيرا من الأنصار حتى غدوا المنافس الأول لأصحاب نظرية الارتباط المثير والاستجابة. وفى محاولة لاختبار فرضية التعـلـم عـن طـريـق المحاولة والخطأ لثورندايك كتب كوفكا كتابه “نمو العقل” في عام1925، وتحمس ييفن للنظرية الجشطلتية فأضاف لها بعض المفاهيم الجديـدة وصـاغ لـهـا مصطلحات جديدة. فنظريته المعروفة باسم «سيكولوجية المجال المعرفـي» أصبحت تعرف في علم النفس بأسمـاء أخـرى مـثـل «سـيـكـولـوجـيـة الـقـوى الموجهة أو علم النفس الطوبولوجى». ويعتبر الكثيرون أن كتابات ليفن في علم النفس تأخذ مدخلا أكثر تقدما وتنظيما عن غيرها من مداخل الكتابات الأخرى.
ويتمثل أحد الاختلافات الرئيسية بين نظرية الارتباط لثورندايك ونظرية المجال العرفي ل «ليفن» في موقف كل منهما من عملية التعلم. فـفـي حين كان ثورندايك يعتقد بأن كل تعلم لابد وأن يؤدى إلى زيادة في التـعـلـم. كان ليفن وغيره من أصحاب نظرية المجال يرون أن كل تعلم يؤدى إلى زيادة في الاستبصار. ولقد بقيت الخلافات حول هذا الموضوع مستمرة بين الطرفين. فالمفاهيم التي تبناها الجشطلـتـيـون عـن الاسـتـبـصـار لـهـا دلالـة كبيرة في التعلم الحركي. ومن أشهر التجارب التي أجريت في هذا المجال، تجارب كوهلر وأبحاثه على دراسة التعلم عند قردة الشمبانزي.
كذلك ينسب روبرت ل. ديـفـز الفضل إلى الجشطلتيـين فـي إعـطـاء علم النفس كعلم قوة دفع جديدة. فقد كان يعتقد بأنهم أعادوا تأكيد صحة الاتجاهات التربوية السائدة آنذاك مثل المنهج المتكامل والصحة النفسية والتأكيد على شخصية الفرد المتكاملة اجتماعيا بالإضافة إلى تأكيد الحاجة إلى إيجاد متعلمين قادرين على إعطاء الاستجابات الخلاقة والهادفة.
– مصطفى ناصف، نظريات التعلم دراسة مقارنة، عالم المعرفة، العدد 70، أكتوبر 1983، ص.29-30.