ما ليَ لا أكتب؟

نستعيد في هذه المتابعة ذكرى مقال للأديب أحمد حسن الزيات (ما ليَ لا أكتب؟) يعاتبه فيه صديقه المسمى العباس أنه لا يكتب هذه الأيام عن الطبيعة ويحتج لعتابه بأن أسباب الكتابة الأدبية في ريف المنصورة، أو في ظلال (الكافورة)، أقوى من أن ينهض لها عُذر من اعتلال أو اشتغال أو إراحة.

       وفي المقال يرد الأديب أحمد حسن الزيات على صديقه المعاتب أنه لم يكن كاليوم أرهفَ شعوراً بالجمال، ولا أبلغ تأثيراً بالطبيعة، لكن إذا همَّ قلمُه باقتناص جمالها اندلعت من جوانب النفس زفرات وقَودها الصهيونيون واللاجئون والحرب والهدنة ومجلس الأمن وهيئة الأمم، فأنصرفُ عن الغناء إلى الرثاء، وأنتقل من الضحك إلى البكاء. وأهمَّ بتلحين الألم وتوقيع الأنين، فتنبعث من نواحي العقل أصوات تستنكر وتستنفر وتقول:

       لقد خَطَبْنَا – يضيف أحمد حسن الزيات- حتى جفَّ الريق، وكتبنا حتى نفد المداد، وبكينا حتى نضب الدم، فما الذي أغنى عنا كل أولئك؟… ألا يزال عرب فلسطين مشردين يكابدون ذل الاغتراب وشظف العيش؟ فأصيح إلى صوت العقل وأقول: بلى، كل أولئك لا يزال، وأتمنى على الله رب العالمين وناصر العرب والمسلمين، أن يستحيل اللسان في فمي حساماً يضرب، واليراع في يدي سناناً يطعن، والغضب في نفسي عاصفة تدمر، والضعف في جسدي قوة تبيد.

ويضيف الزيات فأنا الآن مترجح بين طرفين كلما مِلت إلى أحدهما جذبني إليه الآخر أنظر بعيني إلى مفاتن الطبيعة في ضعاف النهر وحواشي الحقول ومماشي الرياض فأبتهج، ثم أنظر بقلبي إلى مخازي الناس في صور النذالة والجور والبؤس بفلسطين فأكتئب، ثم يصيبني العمى والخرس لأن ابتهاجي عابر لا يحدث غير الافترار، ولأن اكتئابي عاجز لا يبعث غير الدمع.

وإذا حصلت من السلاح على البكا **** فحشاك رُعت به وخدك تقرع

إن نكبة فلسطين ومحنة العرب قد غطَّتا على كل حاسة وغلبتا على كل عاطفة؛ فالفكر فيهما والحديث عنهما ملء القلوب وشغل الألسن؛ ولكن الكلام هواء، والبكاء ضعف، والمنى أباطيل، والمهادنة غش، والمفاوضة عجز؛ فلم يبق إلا أن نسكت لنعمل، وندبر لننفذ، ونتقوى لنسود …

فلو أني بُليت بهاشمي **** خؤولته بنو عبد المدان

لهان علىّ ما ألقى ولكن *** تعالوا فانظروا بمن ابتلاني

  • مدارس للتربية والتعليم والتكوين
  • أعده: د.عبد الغاني العجان

– ملخص المقال من مجلة الرسالة – العدد 793​

2 thoughts on “ما ليَ لا أكتب؟

  1. ما حصل في الأيام الأخيرة،يدعو الأمة الإسلاميةوالعربيةجمعاء إلى الاتحاد و الوقوف يدا واحدة من أجل تحرير القدس من أيادي الكيان الصهيوني، الذي عمل على تشريد عدد كبير من الفلسطينيين خارج ديارهم و هدم معظم معالم مجتمعهم السياسية والاقتصادية… و احتلال أراضيهم و تحويلهم إلى لاجئين،بل و ارتكبت في حقهم عشرات المجازر و الفظائع و الإبادات الجماعية ،شعب يضرب بالقنابل الفسفورية المحرمة دوليا،شعب بلا مأوى
    لاكهرباء و لاطعام ولااتصالات ولا محروقات…
    وكما جاء في المقال.” …فلم يبق إلا أن نسكت لنعمل،وندبر لننفد و نتقوى لنسود…” كلام صائب. أما آن الأوان للعمل و التنفيد و اليقظة ونتقوى لنسود من أجل تحرير القدس و الصلاة فيها ، أما آن الأوان للأخذ بالأسباب من أجل تحقيق النصر . وألا نكون في دور المشاهد من بعيد ضعفاء عاجزين، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني.ويكتفي بإعادة الأحداث دون سعي جاد للتأثير فيها. فهذا يعد تواكل.
    فما نحتاج أن نعمل عليه اليوم،هو استثمار هذه الأحداث للشحن الإيماني ورفع الهمم للعمل ، ونصرة المستضعفين بما نستطيع بنفس طويل وعزم وهمة عالية من أجل التفوق على أعدائنا وإعلاء كلمة الحق.يقول الله تعالى:”سنريهم آياتها في الآفاق و في أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أولم يكف بربك أنه على كل شيءشهيد”
    اللهم أرنا فيهم قوتك و قدرتك يارب العالمين فهم لايعجزون.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top