كيف تنجح في كتابة بحثك؟ – الحلقة الأولى – أسئلة تمهيدية

كيف تنجح في كتابة بحثك، كتاب لجان بار فرانيير يضم إرشادات هامة ذات طابع تقني لإنجاز بحثك، وفي الوقت نفسه، هو محاولة للإمساك بالنقط المشتركة التي تلتقي فيها البحوث العلمية خاصة في ميادين العلوم الإنسانية. وتعميما للفائدة يختار لك –عزيزي القارئ- موقع “مدارس” مقتطفات منه عبر حلقات. نبدؤها بالأسئلة الآتية:  

1- ما هو البحث؟

       إن مفهوم البحث يدفع للتمييز بين العديد من الحقائق. فالبحث قد يكون الوثيقة التي يعدها المحامي ويقدمها للمحكمة، وقد يكون تقريرا وضعته إحدى الإدارات، حول موضوع معين، في إطار إجراءات تؤخذ على ضوئها القرارات.     

       أما هنا فسوف نستعمل هذا المفهوم ضمن تعريف أدق: البحث هو وثيقة (مطبوعة على الآلة) من أربعين إلى مئتي صفحة (أو أكثر أو أقل) أنجزها شخص أو عدة أشخاص في إطار تأهيل معين (دراسة أو مهنة) حول موضوع قريب من حقل الاختصاص المختار، وضمن رؤية تحاول أن تأخذ بعين الاعتبار قواعد المنهج العلمي.

2- لماذا البحث؟

       تختلف الآراء حول جدوى البحث العلمي، وغالبا ما تتغير خلال فترة الإنجاز، وفيما يأتي بعض العوامل الثاوية خلف إنجاز بحث علمي: فقد يكون البحث ضرورة تمليه قوانين الدراسة بالجامعات، وقد يكون مصدرا لرضى عميق بسبب اكتشافات فكرية أو غنى شخصي أو تجربة مشاركة شيقة في العمل. وقد يكون لتحقيق تجربة عمل فكري معمق ومستقل. مثلما قد يكون من أجل التعرف إلى مجال من مجالات الواقع الاجتماعي.

3- كيف تختار موضوع البحث؟

       كثيرةٌ هي العوامل التي تدخل في الحسبان عند اختيار موضوع البحث، ومن المستحيل وضعها في لائحة كاملة. نذكر لك قائمة احتياطات تُتخذ تبعا للاهتمام، ولجدوى البحث وسنذكر أربعة قواعد أو مقاييس موجهة تسمح باختيار الموضوع، تساعد على تجنب العوائق والصعاب والفشل على صعيد هذه الخطوة الهامة جدا من إنجاز بحثك:

       أ- يجب أن يكون الباحث مهتما بالموضوع، فانتبهوا للاختيارات التي لا تأخذ بعين الاعتبار أذواقكم، ومطالعاتكم …

       ب- يجب أن تكون المصادر سهلة البلوغ، أي في متناول أيديكم، (فكروا بشكل خاص، في الوقت المتاح والإطار الذي وُضع تحت تصرفكم).

       ج- يجب أن تكون المصادر سهلة المعالجة. يجب أن يكون لديكم إمكانات ومراجع ثقافية وفكرية تسمح بمعالجة مناسبة للموارد الضرورية لدراستكم.

د-  يجب أن تكونوا في وضع يسمح لكم بالتحكم في المنهجية التي ستلتزمونها.

قد تظهر لكم هذه المقاييس عامة أو سطحية، لكن على الرغم من ذلك تُعد قاعدة متينة لتصور علمي يهدف إلى اختيار ملائم.  

4- كيف نختبر ملاءمة الموضوع؟

هل من الممكن إنجاز الموضوع الذي قمت باختياره. للإجابة عليكم أن تُجروا اختبارا يسمح لكم بتقييم مستلزمات الدخول إلى صلبه. ويتضمن الاختبار مجموعة من الأسئلة تدور حول قطبين: ميزات الباحث (أو الباحثين) وميزات موضوع الدراسة.

       4-1: ميزات موضوع الدراسة:  

من خصائص موضوع الدراسة اختبار موقع الموضوع في حقل المعارف. فلطاما لفتت بعض المواضيع انتباه الكثير من الباحثين الذين وضعوا ونشروا فيها الأعمال العديدة، وبعض المواضيع الأخرى تبدو جديدة، بالكاد تم طرقها. ففي الحالة الأولى يستفيد الباحث من حصيلة معلومات، وفي الحالة الثانية عليه عمل كل شيء تقريبا، وفي هذه الحالة أيضا اطلبوا المساعدة من أصحاب الخبرة والجدارة بهدف رسم الوضع وتحديده.

من ناحية أخرى في أكثر الأحيان تكمن صعوبة الموضوع على المستوى المفهومي، لذا يلزم التمكن من المفاهيم الضرورية للمعالجته. وقد نجد أيضا صعوبات مرتبطة بكيفية الوصول إلى المعطيات.  فقد تكون مغلقة أي محفوظة سرا. وهنا يجب أن نكون حازمين في تقييم الوضع، كما يجب أن نجد الحلول قبل الدخول في صلب الموضوع.

4-2: ميزات تتعلق بالباحث (أو الباحثين):

       تتعلق المقاييس المتعلقة بالباحث بجزء من الحصيلة التكوينية التي لديه، وما يتطلب ذلك وجوب تقييمها بحزم وشدة لمعرفة إمكاناتنا. ومعرفة حدودنا لا تعني أن نتخلى عن إرادة تخطيها، بل أن نزيد من فرص إيجاد الوسائل الضرورية لذلك.

 يضاف إلى ذلك، أنه من الصعب، بل من المستحيل، أن نمضي شهورا في دراسة موضوع لا نشعر حياله بأي اهتمام، وعبثا نلعب دور المهتمين لأسباب عديدة كالموضة أو المنافسة، قيِّموا بجد حقيقة اهتمامكم بالمسألة التي تفكرون بتبنيها.

موقف الباحث الاجتماعي: يجب أن نأخذ بعين الاعتبار وجود المجتمع. حتى الشائعات حول آرائك السياسية قد تسبب لك بعض المشاكل، هذه حقائق يجب أن نواجهها ونقيِّمها بعناية. في نشاط التنقيب أنت تُلزم نفسك كعضو اجتماعي.  

إمكانيات الباحث المادية: كل البحوث تتطلب وقتا. والكثير منها يقتضي تنقلات وشراء كتب ووثائق. قد تكون إمكاناتكم وافرة أو محدودة جدا، يجب مواجهة هذه الأمور بدقة وجعلها من مقاييس إمكانية تحقق مشروع البحث.

خاتمة:

       الأسئلة كثيرة، والواقع أنها تظهر بدرجات متفاوتة من مرحلة إلى أخرى من إنجاز بحثك. حاول أن تجيب عن هذه الأسئلة كتابة وبوضوح ودقة. ولا تستسلم للمخاوف، وإذا رأيت أن تتراجع عن مشروعك، فهناك مشاريع أخرى. على كل حال، ابذل جهدا بأن تعطي حكما عاما على مجموعة المعلومات التي ستكوِّنها. فإذا رغبت في خوض المغامرة، يكون اختيارك على أساس معرفة حقيقية للوضع وتأمين الوسائل التي ستسمح لك بتجاوز العوائق. أن تختار يعني أن تخاطر، ولك يعود الاختيار.

  • إعداد: د.عبد الغاني العجان

* المرجع: جان بيار فرانيير، كيف تنجح في كتابة بحثك، ترجمة هيثم المع، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيرزت، الطبعة الثالثة، 2000، ص. 5-26(بتصرف).

One thought on “كيف تنجح في كتابة بحثك؟ – الحلقة الأولى – أسئلة تمهيدية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top