علينا أن نلاحظ في البداية أن مفهوم “التنشيط” ظل لمدة طويلة مرادفا لأوقات الفراغ والتسلية. بمعنى أن المنشط كان هو الشخص الذي يرافق أطفال المخيمات وتلاميذ الداخليات في الثانويات، وملاجئ الأيتام، ويسيرهم أثناء خرجاتهم في الألعاب وحلقات الغناء، ومختلف الأنشطة التربوية. وكان كذلك هو الذي يبعث الدينامية والحركة، بل والحياة في جماعات توجد تحت “سلطته”. أليس هذا هو المعنى الأول الذي يتخذه المفهوم بحسب Petit Robert، أي “فعل وكيفية تنشيط، وإضفاء الحياة والحركة؟”.
لم يتم الإحساس بالتنشيط باعتباره حاجة وواقعا لا مجرد مطلب فحسب إلا مع نهاية الستينيات، وبالضبط إثر أحداث 1968 بفرنسا فانتظمت الدراسات وتطورت في إطار ما يسمى بــ “علوم التربية”، وغدا مفهوم التنشيط يؤول إلى فعل يروم التكيف أو معاودة التكيف، أي البحث عن توازن يتيح لكل فرد من الجماعة مشاركة أفضل بغاية إندماج حقيقي. ألسنا هنا أمام تعريف للتسيير مماثل للذي اقترحه جونسون وباني (1974) والذي فيد مجموع الأفعال التي تسعى بواسطتها عضوية ما للتكيف مع وضعية محددة؟
يقترح علينا Delorme (1982) من هذه الزاوية العريفات التالية: إن لفظ “نشط” هو استحضار للعلاقات الإنسانية، بل للدفئ؟ أليس معنى نشطanimer إضفاء الحياة ومعنى anima الروح؟ ألا تحيل مواصفات المنشط في الغالب على خصائص مميزة لعلاقة جيدة تسهل التفاعم ويخلقه داخل الجماعات الإنسانية؟ …
يسمح لنا تحليل هذه التعريفات باستخلاص الخلاصات التالية:
أ) أن لفظ تنشيط يوحي بعدد من المفاهيم والمصطلحات، من مثل تسيير، تواصل، اندماج، مشاركة، علاقات إنسانية … مما يؤكد ثراءه، ويؤكد أن كل محاولة لتناوله معزولا قد تكون مصدرا للالتباسات بالنسبة لما يتعقل بوسائل تحليل الوضعية وتوقع علاجات للمشكلات التي تتم مصادفتها…
ب) يكتسي المفهوم نفسه طابعا نشطا ومحرضا للحياة والدفء والدينامية، وهكذا على المنشط وهو يحتفظ بالمعنى الأول للكلمة، أن يشعر بأنه مسؤول عن الوضعية وعن استمرارية الجماعة وفعاليتها: إن نجاح أو فشل “درس” أو اجتماع مناقشة مثلا يتوقف بقدر كبير على كفاءاته(معارف مصحوبة بإمكانيات فهم وتحليل الوضعية) وأداءاته (ميزاته، ومواقعه، استعداداته للعمل (الفعل) بفعالية في اللحظة المناسبة…
ج) ينبغي أن يولي المنشط أهمية كبرى للعلاقات الإنسانية ولإقامة شبكات للتواصل، وهما الأمران الوحيدان اللذان يتيحان اندماجا أحسن ومشاركة أفضل لجميع أعضاء الجماعة في وضع الأهداف، بحيث يشعر كل منخرط منهم أنه منخرط في وضعية ومتشرب لها.. وبحيث يكون المشروع المقترح (موضوع المناقشة) والحلول المرتقبة والهدف المراد تحقيقه، ثمرة جهد الأفراد والجماعة في الوقت ذاته…
– محمد الشيخي، التنشيط والتواصل داخل الجماعات، ضمن تنشيط الجماعات، جماعة من المؤلفين، مجلة سيكولوجية التربية، مطبعة النجاح الجديدة، 1999، ص. 70-72.