يلاحظ بشكل جلي، في ظل التحولات التي تعرفها المجتمعات العصرية، أن مسألة التنشئة الاجتماعية لم تعد حكرا على الأسرة، ومرد ذلك إلى التصنيع الذي نتج عنه تحديث المجتمعات وتطورها. وهذا التحول أدى إلى إضعاف دور الأسرة واضطلاع المدرسة بدور التنشئة الاجتماعية، ويفسر ضعف الأسرة في التنشئة الاجتماعية بكون توزيع العمل لم يعد مرتبطا بتكوين الأسرة، أي أن الأسرة لم تعد الوحدة الاقتصادية النواة، التي توفر الروق لكافة أفرادها على غرار ما يحدث في الأرياف (المجتمع الزراعي)، حيث يرتهن كسب الرزق بالملكية والعمل الزراعيين. زد على ذلك أن ضعف دور الأسرة يبقى مرده كذلك إلى انفتاح فرص التعليم على كافة الشرائح الاجتماعية، ومن ثم تصبح المؤسسة المدرسية هي المسلك الرئيس، إن لم يكن الوحيد للحصول على مكسب للرزق؛ وهو الأمر الذي يلاحظ بشكل ملموس في غالبية المجتمعات المعاصرة، التي تغذي الطموح إلى التحول من مجتمعات زراعية إلى مجتمعات صناعية متطورة، وهذا ما يفسر تجاوز دور التنشئة الاجتماعية من الأسرة إلى المدرسة.
وم جهة أخرى، هنالك عامل آخر يكمن من وراء اضطلاع المدرس بدور التنشئة الاجتماعية، وهو أفول عامل الوراثة في تحديد المكانة الاجتماعية Statut social؛ وقد تناولنا بتفصيل في معرض سابق؛ ذلك أن هذه المكانة أصبحت تكتسب عن طريق التعليم. ومن هذا المنطلق، نستخلص أن مكانة الفرد داخل الأسرة تكتسب أساسا من خلال السن والجنس، أما مكانته الاجتماعية فإنه يكتسبها عن طريق المدرسة، من خلال التنافسية التي يخوضها في أفق اكتساب مهنة معينة، يحقق بها مكانته داخل المجتمع. وبهذا المعنى تشكل المدرسة عاملا رئيسا للحركية الاجتماعية Mobilité sociale؛ وينبغي الأخذ بهذا المفهوم على أنه يفيد ما يسمى بالحركة الاجتماعية التصاعدية، التي تؤهل الفرد للرقي اجتماعيا ومهنيا في ظل المجتمع الحديث. ومن هذا المنطلق تثير هذه الحركية ما يصطلح عليه بحافز الإنجاز Motif de performance وتقوم بشكلنة مسار لتعديل نماذج ومهنية يتطلع إلى ممارستها مستقبلا. وتجدر الإشارة إلى أن الفرد يتطور في إطار حركيته الاجتماعية بانتقاله من نموذج الأب إلى المدرسة، ثم يعود إلى النموذج المهني المتطلع إليه، وفيما عدا ذلك، فإنه يتحول إلى نموذج ما يسمى بجماعة النظائر Communauté des homologues؛ وهو التحول الذي يؤدي به إلى الاحراف عن مسار السلوك السوي.
– عبد الكريم غريب، سوسيولوجيا المدرسة، مطبعة لنجاح الجديدة، الدار البيضاء، الطبعة الأولى 2009، ص. 175.