أكيد أن سوسيولوجيا التربية تشكل مجال بحث يتسم في الآن نفسه بقدمه وجدته، فهو مجال قديم، على اعتبار أنه منذ نهاية القرن التاسع عشر، جعل إميل دوركايم Emile Durkheim من مسألة الإدماج Intégration الموضوع الرئيسي للسوسيولوجيا؛ ومن ثم، حظي تحليل طريقة التنشئة الاجتماعية للأفراد وبخاصة داخل المدرسة بأهمية بالغة. غير أنه لزم انتظار فترة الستينيات كي ينخرط علماء السوسيولوجيا بفرنسا في أبحاث تجريبية حول النظام المدرسي؛ وستحاول الأبحاث الإحصائية المنجزة ما بين الستينيات والسبعينات أن تجيب عن الانشغالات السوسيوساسية لتلك الفترة؛ من قبيل إسهام التربية في النمو الاقتصادي، ودمقرطة النظام المدرسي؛ وقد سلطت الأضواء على الفوارق الاجتماعية على مستوى ولوج المدرسة والنجاح فيها؛ وهو الأمر الذي شكل في حد ذاته واقعة اجتماعية لم تخل من وقع وتأثير سياسيين. زد على ذلك أن هذه الأبحاث كانت تطرح كذلك تساؤلات على المستوى النظري، ما دام لم يكن كافيا فتح أبواب المدرسة على مصراعيها أو توحيد المسالك من أجل التخفيف من حدة الفوارق الاجتماعية داخل المؤسسة المدرسية.
وخلال فترة السبعينيات تبلورت قراءات نظرية تفيد أن من أجل فهم يجري داحل المدرسة، وبخاصة ما يرتبط بالفوارق على مستوى النجاح، ينبغي تحليل الوظيفة الحقيقية التي تضطلع بها المدرسة داخل المجتمع، وقد اتسمت هذه الرؤية بالبنيوية بحضورها القوي في تلك الفترة؛ إلا أنه سرعان ما انكشف بأنها تتيح بصعوبة التأمل في التاريخ والتحولات الاجتماعية. ومنذ فترة السبعينيات، عكفت سوسيولوجيا التربية أكثر فأكثر في فتح “العلبة السوداء”. من أجل فهم طبيعة السيرورات الذهنية، وعبر أي التفاعلات تنتج تلك النزعات الكبرى التي تعمل السوسيولوجيا على إبرازها، وبخاصة الفوارق الاجتماعية في مواجهة المدرسة، والتي تثبت الإحصائيات نسبة ثباتها؛ ومن ثم انتقل الاهتمام إلى البرامج الدراسية، والعلاقات داخل الفصل الدراسي، وبناء توافق داخل المؤسسات، وإدماج المدرسة في محيطها إلخ، كما تم كذلك طرح مسألة نوعية الفاعل acteur، الذي تقوم المدرسة بتشكيله؛ وهو الأمر الذي يتطلب “التموضع من وجهة نظر التلاميذ، لا من جهة نظر وظائف النظام فحسب”.
لقد ترتب عن ذلك اهتمام متزايد بمستويات تحليلية من قبيل المؤسسة أو الفصل الدراسي، ووضع منهجيات كمية قيد الاستعمال، ومن ثم، فرضت أطر نظرية جديدة نفسها وكذلك بعض المفاهيم، مثل النزعة الاعتيادية Habitus والاستراتيجيا والعلاقة بالدراية والتجربة المدرسية…، مع حشر الفاعلين ـنفسهم في قلب التحاليل. هكذا تعين على علماء سوسيولوجيا التربية، أن يتعاونوا أكثر فأكثر مع الأخصائيين في المجال التربوي والطفولة والأسرة، ومواضيع من قبيل عالم الكبار أو علاقات الأسرة/المدرسة، أو التعاون مع أخصائيي الديداكتيك أو علماء النفس في مواضيع من قبيل التعلم أو تقدير الذات… في مواجهة غزارة وتنوع الأبحاث، قد يكون من قبيل التحدي، الادعاء بإنجاز حصيلة استنفاذية لمكتسبات سوسيولوجيا النظام المدرسي
– عبد الكريم غريب، سوسيولوجيا المدرسة، مطبعة لنجاح الجديدة، الدار البيضاء، الطبعة الأولى 2009، ص. 7-8.