أدت التحولات التي لحقت المجال التربوي التعلمي، والتي تمثلت في ازدياد عدد التلاميذ المتمدرسين، والتأثير المتزايد لوسائل الاتصال الجماهيري في التعليم، ومراجعة غايات وأهداف المدرسة، وتطور مكانة الطفل والمراهق، وحدوث طفرة حقيقية في الوظيفة التعليمية، وتطوير أدوار المدرسين، أدت إلى إماطة اللثام عن القصور الذي تعاني منه المقاربة “التقليدية” للتكوين، في بعديها الأكاديمي والبيداغوجي/الديداكتيكي، والمرتكزة على المعرفة والمهارات التعليمية، وكشفت عن تعثر وإخفاق السياسات والتجارب التكوينية التي استلهمتها؛ الأمر الذي فرض ضرورة إعادة النظر في هذه المقاربة، وبناء تصور “حديث” عن التكوين، يشمل، بالإضافة إلى المعرفة (le savoir) وطرق وتقنيات التدريس (le savoir-faire)، بعدا جديدا يتعلق بتنمية شخصية المدرس (…)
– تكوين المدرس سيكولوجيا:
هكذا، انضاف إلى التكوين الأكاديمي والبيداغوجي/الديداكتيكي التكوين السيكولوجي (la formation psychologique)، الذي أصبح فيه “الشخص برمته، في أسس شخصيته ذاتها، هو المعني بالعمل التكويني”، على اعتبار أن اكتساب المعلومات والمهارات اللازمة للقيام بمهمة التعليم لا يمكن فصله، بأي حال من الأحوال، عن التغيرات التي تحدث على مستوى شخصية المدرس واتجاهاته وتمثلاته وأدائه الوظيفي النفسي…
– أهمية التكوين السيكولوجي للمدرس:
يستمد التكوين السيكولوجي أهميته من الدور الوازن والفعال الذي تلعبه شخصية المدرس في العملية التعليمية والعلاقة التربوية، الأمر الذي يستوجب الاعتناء بنموها وتوازنها. والسعي إلى تحصينها مما قد تتعرض له من اضطرابات ناتجة عن التغير الذي تعرفه مهنة التعليم، والتطور الذي تشهده مهام وأدوار المدرس، والشروط المادية والمعنوية الصعبة التي يعمل فيها، والاشكالات المعقدة والمستعصية التي تطرحها العلاقة التربوية (…) على اعتبار أن “النضج الوجداني الكامل للمربي يحقق له الاطمئنان والثقة بالنفس والقفزة الهادئة، ويمكنه من ممارسة سلطته بشكل تلقائي”.
فالسلطة الحقيقية الطبيعية للمربي تنبع من التأكيد الهادئ والحازم لذاته، كما أن العامل الحاسم المحدد للعلاقة التربوية، ولتمثلات ومشاعر التلاميذ نحو المدرس ليس هو صفاته الجسدية، أو تكوينه الاكاديمي والبيداغوجي، أو طريقة ممارسته للسلطة، وإنما هو درجة نضجه الوجداني، وقدرته على ضبط النفس والتحكم في المشاعر الشخصية (كالغضب والخوف)، وتحرره في ممارسته لسلطته التربوية، من ردود الفعل الانفعالية.
ومن شأن نضج المدرس، وقوة شخصيته، وسيطرته على نفسه، أن يشعر التلاميذ بالأمن والطمأنينة، وأن يساعدهم على السيطرة على أنفسهم، والتحكم في مشاعرهم، والتخلص من ردود أفعالهم الانفعالية العنيفة، والتخلي عن الآليات الدفاعية (مثل الانطواء والمعارضة والعدوانية) التي تتولد، في العادة، عن افتقارهم للأمان الوجداني والاطمئنان النفسي، وهو ما يترتب عنه، في نهاية المطاف، تقبلهم لسلطة المدرس التربوية، واستجابتهم للانضباط الذي يقيمه داخل القسم، ناهيك عن أن المدرس الناضج انفعاليا، والمتزن نفسيا، والواثق بنفسه، يقدم للتلميذ نموذجا قويا وإيجابيا يتقمصه ويتوحد معه، ويمكنه بالاعتماد عليه أن يحقق سيطرته على نفسه، وبناء شخصيته، وتحقيق نضجه الوجداني والاجتماعي.
ولما كان النضج الوجداني للمدرس يلعب هذا الدور الحيوي بالنسبة لعلاقته وسلطته التربوية، فإن ذلك يستوجب “أن نواجه تشكيل [تكوين] المعلم من زاوية العلاقات الإنسانية، كما نواجه من زاوية المعارف الذهنية، ولا سيما من زاوية نضجه العاطفي الخاص. ورابط علاقاته مع تلاميذه ومع الوالدين…”
– طرق التكوين السيكولوجي للمدرسين:
من الطرق والأساليب المستعملة في التكوين السيكولوجي للمدرسين، ملاحظة الذات (Autoscopie)، والمحاكاة (Simulation)، والسيكودراما (Psychodrame)، والتعليم المصغر (Enseignement programmé)، حيث يتمكن المتدرب، أثناء هذه الأنشطة التكوينية، من ملاحظة ومعرفة ذاته في وضعيتها المهنية، وتحليل سلوكاته وعلاقاته التربوية الفعلية مع التلاميذ، والوعي بالفروق الموجودة بين تمثلاته واتجاهاته المعلنة من جهة، وسلوكاته الفعلية من جهة أخرى، والعمل بالتالي على التنسيق بينها، وتغيير ما ينبغي تغييره منها…
بشكل عام، تستند المقاربة السيكولوجية لتكوين المدرسين على الإسهامات النظرية والمنهجية لعلم النفس بفروعه ومدارسه المختلفة، حيث تتم الاستفادة، أثناء تحليل الاتجاهات والسلوكات التربوية للمدرسين، من النماذج التفسيرية للتحليل النفسي، والمدرسة السلوكية، وعلم النفس الاجتماعي، والتيار المؤسسي، وعلم التنفس الإنساني، إما بالاستفادة من كل نموذج على حدة أو منها جميعا في الوقت نفسه.
– إعداد: عبد الغاني العجان
– المرجع: دفاتر التربية والتكوين، ملف مهام المدرس ورسالته التربوية، عدد 8/9، ص. 30- 35.